وهران
وهران (تنطق باللهجة المحلية وهرن) تلقب بالباهية هي ثاني أكبر مدن الجزائر بعد العاصمة[2] وأحد أهم مدن المغرب العربي، تقع في شمال غرب الجزائر على بعد 432 كيلومترا عن الجزائر العاصمة. مطلة على خليج وهران في غرب البحر الأبيض المتوسط، ظلت المدينة منذ عقود عديدة ولا تزال مركزا اقتصاديا وميناءً بحريًا هامًا.
يحدها من الشمال خليج مفتوحة ومن الغرب جبل مرجاجو (420 متر) وهضبة مولاي عبد القادر الكيلاني. يقع تجمع المدينة على ضفتي خور وادي الرحي (جمع رحى) المسمى الآن وادي رأس العين.
بلغ عدد سكان البلدية 852،000 نسمة في عام 2009 في حين يبلغ عدد سكان الحاضرة 1،453،152 نسمة[3].
شدت المدينة منذ القدم اهتمام الحضارات المختلفة وأطماعها، فتقلب حكمها بين سلالات حاكمة محلية من بربر وعرب وأتراك عثمانيين وبين محتلين إسبان وفرنسيين وضع كل منهم بصمته لتزين به المدينة فسيفساءها التراثي والثقافي. بعد استقلال الجزائر شهدت المدينة تطورات مهمة جعلت منها ثاني مدن البلد وقطبًا اقتصاديًا وعلميًا مهمًا. تنوع النشاط الاقتصادي فيها من صناعات كبيرة وصغيرة استفاد من مجاورتها لمدينة أرزيو النفطية، كما أصبحت المدينة قطبًا تجاريًا بفضل مينائها البحري النشط الذي شكل المنفذ الأساسي للتجارة الخارجية لكل الناحية الغربية للجزائر.
الثقافة الوهرانية صنعت للمدينة سمعة إقليمية وعربية وحتى عالمية. فاشتهرت المنطقة بشعراء ما يسمى بالملحون الذي شكل المعين الذي غرفت منه الأغنية الوهرانية عبر شيوخ الوهراني وأغنية الراي لاحقا لتصل به لآذان العالم عبر شباب المدينة. كان للمسرح أيضا نصيب تشهد عليه مسرحيات عبد القادر علولة وغيره.
هذا التنوع جعل من المدينة مكان جذب للسياح فلا تزار الجزائر دون زيارة وهران. وقد فتح هذا المجال للاستثمار في البنية التحتية لقطاع السياحة فتعددت الفنادق الفخمة والمنتجعات السياحية التي استغلت جمال شواطئ المنطقة.
التسمية
وفقا للتفسير الأكثر شيوعا، وهران هي مثنى اللفظة العربية (وهر) وتعني الأسد[4].غير أن كلمة وهر لا تعني أسد حسب لسان العرب والصحاح في اللغة والقاموس المحيط وغيرها[5]. لذا فإن من المرجح أن يكون الاسم من أصل بربري[6] نسبة إلى واد الهاران أو إلى أسود الأطلس التي كانت تعيش في المنطقة والذي ورد اسم كل منهما في التاريخ بتهجئات مختلفة[6].
الأسطورة تحمل تفسيرا للرواية الأولى وتقول أنه تم اصطياد الأسود الأخيرة لهذا الساحل المتوسطي في الجبل المجاور لوهران المدعو "جبل الأسود". وأعطى للمدينة هذا الاسم صائد الأسود السابق سيدي معقود المحاجي تكريماً لأسدين قام بترويضهما. ولقد تم تنصيب تمثالين برونزيين كبيرين لأسدين أمام مقر البلدية في إشارة إلى اسم المدينة. وضريح (قبة) سيدي معقود المهاجي يوجد في مقبرة سيدي الفيلالي في حي المزارعين [7].
يُذكر أن الدائرة التاريخية
دائرة سيدي الهواري المطلة على البحر هي المركز التاريخي للمدينة، تقع في شمال غرب المدينة على طول راس العين على سفح جبل مرجاجو. هذه الدائرة تحتفظ بآثار تشهد على مرور عدة حضارات: الإسبانية، التركية والفرنسية. نجد الحصون الإسبانية التي تعود للقرن السادس عشر، مسجد الباشا من القرن الثامن عشر، قاضي بولحبال والي المدينة أنشأت له قبة بتاريخ 1793 من قبل الباي العثماني والذي بنى قصراً خاصاُ به أيضاً. يمكننا كذلك مشاهدة مقر الولاية الفرنسية السابقة (القرن التاسع عشر) بنهج ستالينجراد.
حي لاكالير أوت ولاكالير باس (بالإسبانية: La Calaira) بسيدي الهواري هما حيين أنشآ من قبل الإسبان وكانا يمثلان حي الصيادين بالمركز التاريخي والتراثي لوهران وهدما سنة 1980. يجعل تاريخ وهران من لاكالير أول حي بالباهية.
الدوائر المحيطة
تحمل ولاية وهران الرقم 31 في الترقيم الإداري للجزائر وتضم 25 دائرة بها أكثر من نصف سكان الولاية. وهران هي المدينة الثانية في الجزائر لكنها تبقى الأصغر مساحة من بين ولايات الجزائر.
تجمع وهران المدينة
حاضرة وهران تضم العديد من البلديات منها اثنتان مدمجتان في نسيج المدينة.
بئر الجير تمثل أهم مدن الضاحية الشرقية لوهران. في العهد الاستعماري كانت بلدية بابتيزي أركول تبعد عن وسط المدينة ب 8 كم. حافظت المدينة على خاصيتها الفلاحية حتى نهاية سنوات الثمانينيات. يبلغ عدد سكانها اليوم حوالي 118.000 نسمة، وهي أحد أهم أقطاب الحاضرة. فبها مقار العديد من المؤسسات المبنية على نمط العمارة الحديثة مثل مقر سوناطراك ومستشفى وهران الجامعي «1 نوفمبر 1954» وقصر المؤتمرات ومعاهد للتعليم العالي وقصر العدالة. كما يعتزم بناء ملعب ألمبي بسعة 50.000 متفرج.
السانية هي أكبر مدينة بالضاحية الجنوبية لحاضرة وهران تبعد عن مركز مدينة وهران ب 7 كم. كانت تعرف في عهد الاستعمار الفرنسي بالسانية (بالفرنسية: Sénia). تضم عدة مناطق صناعية، العديد من المعاهد الجامعية ومراكز البحث مثل المركز الوطني للبحث في الأنثربولوجيا الإجتماعية والثقافية (بالفرنسية: CRASC)[25] ومركز الدراسات المغاربية بالجزائر (بالفرنسية: CEMA)[26]، والمطار الدولي. ستكون السانية المحطة النهائية لترامواي وهران.
تمثل بعض البلديات فضاءً من جاذبية المدينة دون أن تكون جزءا من حاضرة المدينة. من هذه البلديات المرسى الكبير وعين الترك.
تقع عين الترك على بعد 15 كم إلى الشمال الغربي من مدينة وهران وتضم العديد من الهياكل الفندقية والمركبات السياحية. تغير المنظر الطبيعي للمدينة بسبب مشاريع الطرق السريعة، المنتجعات والمستشفيات، إلخ. على بعد 8 كم من هذه البلدية يوجد منتجع مركب الأندلسيات.
تقع المرسى الكبير إلى الشمال الغربي لوهران على بعد 7 كم هي مقر القوات البحرية الجزائرية ومينائها من أهم القواعد البحرية.
في شرق وهران توجد بلدات كاناستيل (المنزه)، عين فرانين وكريستل.
التاريخ
الكثير من الكتاب والمؤرخين قالوا بأنه يلزم مئات الكتب للإحاطة بجميع الأبعاد الخفية لوهران، وهذا ما يفسر وفرة الكتب عن المدينة. بعضها يحكي التاريخ عبر القرون، ويؤكد على تاريخيتها وأخرى تروي الحياة اليومية لوهران والوهرانيين.[27]
وهران هي محطة التقاء الثقافات وزوال الفوارق. أدت الأحداث التي عانت منها المدينة عبر العصور إلى ظهور روح التسامح، ففيها تعايشت جميع العقائد الدينية والسياسية. حوار الحضارات مؤكد بها على الرغم مما يقال عن الدراما التاريخية والاضطرابات.[28]
وهران قبل التأسيس
حقبة ماقبل التاريخ
أثبتت بحوث علم الآثار خلال القرنين 19 و 20 أن وهران كانت محل نشاط بشري خلال فترات ما قبل التاريخ. تم اكتشاف العديد من المستعمرات البشرية ومستعمرات الإنسان البدائي. آثار الأسلاف البشرية (حسب نظرية التطور) في تغنيف بالقرب من معسكر تعود لـ 400.000 سنة، كذلك مستعمرات كهوف كارتل كوشت الجير ومحجرة أكمول التي تعود للعصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث. ويحوي متحف أحمد زبانة نجاحا خاصا بالعصر الحجري الحديث تميزه مجموعات صنعت من الفخار، العظم والحجر، نذكر منها على سبيل المثال الأوعية’ المخارز، رؤوس السهام والفؤوس المصقولة التي اكتشفت بمغارات جبل المرجاجو (وهران).[29]
ظهرت قبل 21000 سنة مجموعة إيبيروموريسيين على بعد 120 كم جنوب غرب وهران وذلك في منطقة وجدة، مغارة تافوغالت تحتوي على أكبر حقل معروف يعود لهذه الحقبة.[30] استمرت هذه الحضارة وشملت كامل المغرب العربي قبل أن تبدأ بالاندماج تدريجياً حوالي الألفية التاسعة قبل الميلاد مع مجموعات قبصية لتشكل أسلاف الطوارق الأمازيغ (يسمى في بعض الأحيان «الرجل الأزرق »).
العصور القديمة
إذا كانت أسطورة الكتاب المقدس نسبت إلى يوشع بن نون والمتبع لشريعة موسى عليه السلام تهويد وهران والمغرب العربي، فقد دلت الآثار القديمة الأولى عى أن قدوم أوائل اليهود[31] جاء مع استقرار الفينيقيين في المنطقة حيث يمكن دراسة المقبرة الكبيرة بقرب منتجع الأندلسيات التي يعود تاريخها لفترة الحضارة القرطاجية ما بين القرن الرابع والأول قبل الميلاد.
في حين إختار الفينيقيون خليج مداغ الصغير غرب وهران لإنشاء محطتهم التجارية، إختار الرومان موقع بورتيس ماغنيس (Portus Magnus) أربعون كيلومتر إلى الشرق بالمكان المعروف اليوم ببطيوة[32]. ميناء وهران والمرسى الكبير كانت تعرف بالميناء الإلهي (Portus Divini).
كانت منطقة وهران تسمى يونيكا كولونيا. (Unica Colonia)[a 1] العديد من التماثيل القديمة وجدت في الإقليم الوهراني يمكن مشاهدتها بمتحف أحمد زبانة. خلال القرن الثاني للميلاد عرفت المنطقة هجرة لليهود من برقة ومصر مثل بقية المناطق المغاربية[31] • [33]. حفز الوجود الروماني على وصول المسيحيين ويشهد على ذلك الكثير من مخلفات القرن الرابع للميلاد والتي يوجد بعضها في متحف وهران[a 2].
اختفاء يونيكا كولونيا
مع انهيار الإمبراطورية الرومانية سقطت المدينة بأيدي الوندال عام 445مثم في يد البيزنطيين سنة 533م، طاعون جستنيان ابتداءً من 541م ثم الفتوحات الإسلامية في 645م[34].
تأسيس وهران
بعد بقائها عدة قرون مهجورة ومع مطلع القرن الخامس للميلاد لم يبق شيء من يونيكا كولونيا فاختلط الوضع وأصبحت خلجان هذا الساحل دون أي سلطة مستقرة ولا أي رقابة رسمية[a 3]. سيطر الرستميون على المنطقة في الوقت الذي كانوا يعانون من مشاكل داخلية ونزاع مع الفاطميين فلم يكونوا قادرين على الدفاع عن مصالحها.
بالنسبة للسلطات، كانت المنطقة الشبه المهجورة بوهران ذات أهمية ثانوية فبقت دون أي سيطرة.
من ناحية أخرى، استعملت بحرية المرية تحت سلطة الأندلس شواطئ المغرب العربي بصفة موسمية للتجارة مع تيهرت[a 4] ومدينة تلمسان القريبة (الرستميين) وبالتدريج أصبحت هذه المستوطنات دائمة. بالتوازي رغب أمراء قرطبة الأمويين بالاستقرار على السواحل الإفريقية.
مع أولى بوادر تفكك الخلافة العباسية قرر عرب الأندلس تطوير محطات تجارية على شواطئ شمال أفريقيا وذلك نظراً لقوتهم آنذاك.
هكذا تأسست وهران في 902[35] من قبل البحارة الأندلسيين محمد بن أبو عون، محمد بن عبدون ومجموعة من البحارة بدعم من أمراء قرطبة[36] • [37]. أسسوا المدينة للتجارة مع تلمسان وذلك بتطوير خليج المرسى الكبير.
وهران كانت تعرف سابقا باسم إيفري وتعني باللغة الأمازيغية الكهف وهي تسمية مرتبطة دون شك بالكهوف العديدة في التلال المحيطة بوهران.
قسم من المعلومات مأخوذ من ويكيبيديا،
النصوص منشورة برخصة المشاع الإبداعي: النسبة-الترخيص بالمثل 3.0. قد تنطبق مواد أخرى. .