المدينة المنورة
المدينة المنورة تُلقب "بطيبة الطيبة" أول عاصمة إسلامية، وثاني أقدس الأماكن لدى المسلمين بعد مكة المكرمة، هي عاصمة منطقة المدينة المنورة الواقعة على أرض الحجاز التاريخية غرب المملكة العربية السعودية، تبعد حوالي 400 كم عن مكة المكرمة في الاتجاه الشمالي الشرقي،[1] وعلى بعد حوالي 150 كم شرق البحر الأحمر، وأقرب الموانئ لها هو ميناء ينبع والذي يقع في الجهة الغربية الجنوبية منها ويبعد عنها 220 كم،[1] تبلغ مساحة المدينة المنورة حوالي 589 كم² [2] منها 99 كم² تشغلها المنطقة العمرانية، أما باقي المساحة فهي خارج المنطقة العمرانية، وتتكون من جبال ووديان ومنحدرات سيول وأراض صحراوية وأخرى زراعية ومقابر وأجزاء من شبكة الطرق السريعة.[2]
تأسست المدينة المنورة قبل الهجرة النبوية بأكثر من 1500 عام،[3] وعُرفت قبل ظهور الإسلام باسم "يثرب"، وقد ورد هذا الاسم في القرآن في قوله تعالى على لسان بعض المنافقين: ﴿وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾[4][5] وورد في الحديث الصحيح أن النبي محمد بن عبد الله غيّر اسمها من يثرب إلى المدينة، ونهى عن استخدام اسمها القديم فقال: "من قال للمدينة "يثرب" فليستفغر الله..."، والمدينة المنورة محرم دخولها على غير المسلمين، فقد قال النبي محمد: "اللهم إني أحرم ما بين لابتيها مثل ما حرم إبراهيم مكة، اللهم بارك في مدهم وصاعهم".[6][7]
يبلغ عدد سكان المدينة حوالي 1,300,000 نسمة،[8] وتضم المدينة بين أحضانها الكثير من المعالم والآثار، ولعل أبرزها المسجد النبوي والذي يُعد ثاني أقدس المساجد بالنسبة للمسلمين بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة، بالإضافة إلى مقبرة البقيع والتي تعد المقبرة الرئيسية لأهل المدينة، والتي دُفن فيها الكثير من الصحابة،[9] ومسجد قباء أول مسجد بني في الإسلام، ومسجد القبلتين، وجبل أحد، والكثير من الوديان والآبار والشوارع والحارات والأزقة القديمة.
تاريخ المدينة المنورة
يرجع تاريخ تأسيس يثرب إلى حوالي 1600 سنة قبل الهجرة النبوية،[10] اعتماداً على أن قبيلة عربية تسمى "عبيل" قد تكلمت بالعربية، وأن اللغة العربية وُجدت في ذلك التاريخ،[10] ويقترب هذا التحديد من الزمن الذي وجدت فيه كلمة "يثرب" في الكتابات التاريخية عند الأغريق، فقد ورد هذا الاسم في الكتابات عند مملكة معين وذُكرت بين المدن التي سكنتها جاليات معينية،[10] ومن المعروف أن المملكة المعينية قامت في جزء من اليمن في الفترة ما بين 1300 و 600 ق.م، وامتد نفوذها في فترة ازدهارها إلى الحجاز وفلسطين، وعندما ضعف سلطانها كونت مجموعة مستوطنات لحماية طريق التجارة إلى الشمال وكان هذا الطريق يمر بيثرب،[10] ويتفق هذا التاريخ التقريبي أيضًا مع تاريخ وجود العماليق وحروبهم مع بني إسرائيل في شمال الجزيرة العربية وسيناء.[10]
تعاقب السكان على يثرب منذ إنشائها، فقد سكنها العماليق، ومن بعدهم قبائل "المعينيون"، [11] اليهود، حتى سكنتها قبيلتا الأوس والخزرج وهما قبيلتان قحطانيتان، جاءتا من مملكة سبأ في اليمن على إثر انهيار سد مأرب،[12] وعندما وصلت القبيلتان إلى يثرب أعجبتا بما فيها من أرض خصبة وينابيع كثيرة فاستقروا فيها مع وجود قبيلتين من اليهود هما قبيلة بنو قريظة وقبيلة بنو قينقاع، وبعد ذلك عُقد حلف ومعاهدة بين اليهود والقبيلتان تلتزمان فيها بالسلام والتعايش والدفاع عن يثرب ضد الغزاة،[12] فتحالفوا على ذلك والتزموا به مدة من الزمن ازداد خلالها عدد الأوس والخزرج ونمت ثرواتهم، وخاف اليهود من اتساع سلطة ونفوذ القبيلتين، فقاموا بالتفريق والإيقاع بينهم، ونجحوا في خططهم واشتعلت الحروب الطاحنة بين الأوس والخزرج، واستمرت قرابة مائة وعشرين عامًا ولم تنته هذه الحرب إلا عند هجرة النبي محمد إلى يثرب.[12]
في القرن السابع الميلادي ظهر الإسلام في مكة على يد النبي محمد بن عبد الله، الذي بدأ في دعوة الناس إلى الدين الجديد، وكانت تلك الدعوة سبباً في إغضاب سادة قريش الذين كانوا يسكنون مكة، فأعد المشركون كافة الأساليب لإحباط هذه الدعوة، فلم يجد النبي محمد وسيلة إلا بالهجرة إلى يثرب، وذلك بعدما اتفق مع وفد قبيلتي الأوس والخزرج على نصرته وحمايته،[13] وبالفعل هاجر النبي إلى يثرب ومعه صاحبه أبو بكر الصديق، وقبل دخوله ليثرب عرج على قباء لأداء الصلاة وبنى هناك مسجداً كان أول مسجد في الإسلام، قام النبي بعد ذلك ببناء المسجد النبوي نواة الدولة الإسلامية الجديدة،[13] وآخى بين المهاجرين والأنصار، وعقد معاهدة صلح مع يهود المدينة، وقام بتغيير اسمها من يثرب إلى المدينة، ونهى الناس عن استخدام اسمها القديم. وانطلقت من المدينة جميع غزوات الرسول وعاش فيها النبي حتى توفي في شهر ربيع الأول سنة 11 هـ.[14]
بعد وفاة النبي محمد عاشت المدينة المنورة أزهى عصورها في عهد الخلفاء الراشدين، منذ تولي أبو بكر الصديق الذي قضى على المرتدين عن الإسلام في حروب الردة، ومروراً بعمر بن الخطاب حيث فُتحت بلاد الشام ومصر وبلاد فارس،[13] وعهد عثمان بن عفان الذي شهد المزيد من الفتوحات ودخول سلاح البحرية إلى الجيش الإسلامي وحدوث الفتنة بين المسلمين، وصولاً إلى عهد علي بن أبي طالب وباستشهاده عام 661 ازدادت الفتنة بين المسلمين وبعضهم، حتى قامت الخلافة الأموية عام 661، بعد أن تنازل الحسن بن علي عن الخلافة، ونُقلت عاصمة المسلمين من المدينة المنورة إلى دمشق.[13] ومنذ نهاية عصر الخلافة الأموية حتى بداية العهد السعودي مرت المدينة المنورة بعصور مختلفة بداية من الخلافة العباسية مروراً بالخلافة الفاطمية ثم الدولة الأيوبية ثم السلطنة المملوكية ثم الدولة العثمانية وصولاً إلى العصر السعودي الحديث.[13]
دخلت المدينة المنورة في ظل الدولة السعودية في يوم 19 جمادى الأولى عام 1344 للهجرة،[15] وذلك عندما سلمها القادة الهاشميون بناء على اتفاق خاص مع الملك عبد العزيز آل سعود، وقد شهدت المدينة المنورة في العصر السعودي الحديث أزهي عصورها من حيث أعمال التوسعة والعمران، وشهدت تقدماً في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث وفرت الدولة السعودية الأمان لسكان المدينة بعد أن كان مفقوداً بسبب غارات القبائل،[15] ولعل أبرز ما قامت به الحكومة السعودية للمدينة المنورة هي توسعة المسجد النبوي، حيث وضع الملك فهد بن عبد العزيز حجر الأساس للتوسعة الضخمة للمسجد النبوي، وذلك في 2 نوفمبر 1984،[16] حيث تمت إضافة مساحة 82000 م² لحرم المسجد، وتم عمل ساحات واسعة تحيط بجهات المسجد الأربع يبلغ إجمالي مساحتها حوالي 235000 م²،[16] وتم زيادة الطاقة الاستيعابية للمصلين بشكل كبير داخل المسجد، فبعد أن كان المسجد النبوي يستوعب حوالي 58000 مصلٍ (دون مساحة الساحات المحيطة بالمسجد)، فقد أصبح يستوعب حوالي 650000 منهم.[16]
السكان
سكان المدينة المنورة قديمًا
بلغ عدد سكان المدينة المنورة في آخر فترة قبل الإسلام ما بين 12 و 15 ألف نسمة،[21] ولما هاجر المسلمون الأوائل من مكة إلى المدينة تغيرت المعادلة السكانية، ومرت بمراحل مد وجزر، إذ وفدت إليها مجموعات قبلية، وأفراد من مكة والبادية، وكان النبي محمد قد أجلى عنها من بقي من اليهود، وقد بلغ عدد سكانها أيام وفاة النبي حوالي ثلاثين ألف نسمة.[21]
وخلال عهد الخلفاء الراشدين خرجت مجموعات كبيرة إلى حروب الردة والفتوحات الإسلامية، استشهد كثيرون منهم، وأقام آخرون في المجتمعات الإسلامية الجديدة في بلاد الشام والعراق ومصر، مما أنقص عدد السكان عدة آلاف، وفي العهد العباسي بدأ عدد السكان يتناقص تدريجياً، إذ قُدّر عدد السكان وقتها بثلاثة آلاف تقريباً،[21] كما يُستدل من السور الذي بني حول المدينة في منتصف القرن الثالث الهجري، وكان ذلك التناقص نتيجة كثرة الفتن، واضطراب الأحوال الأمنية، وسوء الأحوال الاقتصادية يومها،[21] وفي القرن السادس الهجري ازداد عدد السكان، ولم تعد تتسع لهم المنطقة المحصورة داخل السور، وبنى لهم نور الدين زنكي سوراً ثانياً بلغ طوله أكثر من ضعف السور الأول، مما يدل على أن عدد السكان قد زاد عن ستة آلاف نسمة.[21]
ومع بداية العهد العثماني ازداد عدد سكان المدينة ووصل في القرن الثالث عشر الهجري إلى عشرين ألف نسمة تقريباً،[21] وفي القرن الرابع عشر الهجري ازداد عدد سكان المدينة عند وصلها بسكة حديد الحجاز، ووصل إلى ثمانين ألفاً،[21] لكنه عاد وانخفض انخفاضاً حاداً عندما قامت الحرب العالمية الأولى، وأجبر معظم أهل المدينة على الخروج منها فيما عرف باسم سفر برلك، حتى لم يعد فيها من أهلها إلا العشرات بسبب الصراع بين العثمانيين والهاشميين، ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى وخروج العثمانيين؛ عاد إلى المدينة عدد من أهلها، واستقر الباقون في الأماكن التي هاجروا إليها.
سكان المدينة المنورة حديثًا
شهدت المدينة المنورة في العقود الثلاثة الأخيرة تضاعفا كبيرا في عدد سكانها، فبلغ حسب إحصاءات عام 1999 حوالي 856 ألف نسمة ينتمون إلى قبائل وأعراق مختلفة،[21] بعضهم من أهل المدينة المقيمين فيها منذ قرون طويلة، وبعضهم من الوافدين إليها من أنحاء المملكة العربية السعودية ومن مختلف دول العالم للاستيطان بها، وبعضهم من القادمين من البلاد العربية والإسلامية للعمل، ويتوزع السكان في ثلاث دوائر عمرانية مركزها المسجد النبوي، ومحيطها الأخير خلف جبل أحد شمالاً وذي الحليفة (أبيار علي) غرباً ووادي بطحان جنوباً والعاقول شرقاً.[21]
يُقدر عدد سكان المدينة المنورة حالياً بحوالي 1,300,000 نسمة،[21] وكنتيجة للتطورات العمرانية توزع السكان على أحياء المدينة وتغيرت الكثافة السكانية فيها، فتضاعف عددهم في الأحياء الداخلية حول المسجد النبوي بسبب إعادة عمران المنطقة، والتوجه نحو تأمين مناطـق سكنية وتجارية تخدم الزوار فيها، وازدادت في المناطق التالية: قربان، قباء، الحرة الشرقية، الحرة الغربية، وفي أطراف المدينة مثل أبيار علي، ومنطقة العاقول، ومنطقة سيد الشهداء. وإضافة إلى المقيمين الدائمين في المدينة يفد إليها أعداد كبيرة من الزوار في المواسم الدينية، وخاصة في شهر رمضان وموسم الحج، ويبلغ عددهم قرابة المليون،[21] يمكثون فيها على دفعات متتالية، أياماً وأسابيع قليلة ثم يعودون إلى بلادهم.
قسم من المعلومات مأخوذ من ويكيبيديا،
النصوص منشورة برخصة المشاع الإبداعي: النسبة-الترخيص بالمثل 3.0. قد تنطبق مواد أخرى. .